بين فاطمة بنت أسد وفاطمة بنت حزام الكلابية (سلام الله عليهما)
بقلم: يا مهدي أدركني
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله (حسينٌ مني وأنا من حسين)
إن خط النبوة لم يكتمل ولم تزهُ الوانه بدون خط الإمامة، فهما أمران متلازمان مكملان بعضهما للبعض الآخر، ولو أبحرنا قليلًا في حديث الرسول (صلى الله عليه وآله) وقلبنا صفحات التاريخ ليعود بنا الزمن إلى لحظة وفاة عبد المطلب (سلام الله عليه) جد نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) وانتقاله إلى كنف عمه أبي طالب (سلام الله عليه) وكيف تقبل هذا الرجل العظيم هذه المسؤولية بفخر واعتزاز وقد أعانته على ذلك امرأة من أحدى الجواهر النفيسة التي انعم الله تعالى بوجودها على هذه الأرض ليكون لها الحظ الأوفر برعاية خير خلق الله تعالى على الأرض، ألا وهي فاطمة بنت أسد (صلوات الله وسلامه عليها) التي كانت تستأنس برعايتها للنبي الأعظم (صلوات الله وسلامه عليه) إذ كانت تفضله وتقدمه على أولادها بالنفقة والكسوة، ويذكر في الروايات بأنها كانت تختار أفضل الرطب وتخبئه عن أولادها حتى يذهبوا إلى اللعب خارج المنزل فتطعمه للنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) وهذه المعاملة كان لها وقع في قلب النبي (صلى الله عليه وآله) فأحبّها حبًا شديدًا وكان يناديها بأمي، لذا عندما ماتت (سلام الله عليها) جاءه أمير المؤمنين (سلام الله عليه) مغتمًا باكيًا فقال له الرسول (صلى الله عليه وآله): ما يبكيك؟
فقال (عليه السلام): ماتت أمي فاطمة.
فقال الرسول (صلى الله عليه وآله): وأمي والله.
وينقل أنه (صلى الله عليه وآله) كفّنها بقميصه واضطجع في لحدها.
وبعد أن استعرضنا هذه اللحظات فلننتقل من تلك الصفحات التي رسمت لنا بعض الخطوط عن تلك المرأة جليلة القدر لنتقدم في الزمن قليلًا حتى نصادف شخصية أخرى رسمها التاريخ لنا ووضع بصمة أخرى لنا عنها…
في الحقيقة لو تمعنا بها قليلًا لوجدنا أنها مرآة صافية تعكس لنا ملامح امرأة أخرى هي كنة لتلك السيدة الجليلة، نعم هي زوجة لولدها علي بن ابي طالب (سلام الله عليه) هي فاطمة بنت حزام الكلابية…
وهنا نجد كيف أن لحديث الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) انعكاسات كثيرة، فهناك تشابه بين حياة الرسول وسبطه الأصغر (صلوات الله وسلامه عليهما)، إذ كما تكفلت تلك الأيدي الخفية -أيدي الرحمة- بأن تهيأ يدًا للعناية به (صلى الله عليه وآله) أيضًا نفس تلك الأيدي قدمت هذه المرأة لتكون كنسمة هواءٍ عليلة تلاعب تلك الوجوه التي كانت رطبةً دومًا بدموع الحزن على فراق أمٍّرحلت منهم في مقتبل عمرها ولمّا يهنؤوا بنسيم عطر وجودها بينهم، لتدخل تلك النسمة إلى بيت النبوة فتملؤه حنانًا وعطفًا، ولتتجسد فيها كل صور الحب والإيثار…
ولو قلبنا تلك الصفحات التي اشبعتها اقلام مؤرخينا لوجدنا كيف انتهجت تلك المرأة منهجًا في تضميد جروح أيتام سيدة نساء العالمين، حتى استطاعت أن تعالج تلك الجروح وتطبّبها وتكون كالبلسم لها حتى تعلّقوا بها واحبوها حبًا شديدًا…
وعندما رزقها الله تعالى بالأنجم الزاهرة والقمر الساطع، أولئك الأشبال الذين كان الإيمان يجري في عروقهم ويستقر في قلوبهم، لم ينقص حبها لأولاد فاطمة (سلام الله عليها) بل كانت تعلم أولادها على احترام أولاد فاطمة الزهراء (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، بل كانت حريصة على أن لا ينادونهم بأسمائهم ولا حتى بلقب الأخوة لترسم لهم صورة الولاء لأئمتهم والحفاظ عليها..
ولعل أوضح تلك الصور، عندما أوصت أولادها بأن يضحوا بأنفسهم ويحافظوا على أختهم زينب (سلام الله عليهم) حتى غدوا صرعى على رمضاء كربلاء…
إلى أن يصلنا صدى صوت من قرب المشرعة مناديًا: “أخي يا حسين أدركني” ذلك النداء الأول والأخير من نوعه الذي صدر من تلك الحنجرة الشريفة من قمر العشيرة العباس حامل اللواء وساقي عطاشى كربلاء، إنه ينادي ولأول مرة أخاه الحسين (سلام الله عليه) لتفيض روحه الطاهرة بين يديه…
فهذه الصور التي رسمها التاريخ لنا تبرر لماذا كان لهذه المرأة العظيمة باب مفتوح عند الله عز وجل لا يخيب من طرقه…